حقي كعلوي تكفله المادة 12 من الدستور اللبناني. عليك أن تعضَّ على جرحك الدامي قهراً، وأن تبتلع صرختك المترددة رُغْماً عنْ أنفك، وإياك ثم إياك أن تقول يوماً: لنا حق مهدور نحن العلويون، فترمى بالطائفية وتقذف باللاوطنية، ثم حذار حذارِ أن تقترب من تحديد المواقع والمطالبة بالمراكز، عندها تكون قد انتهكت كل الحدود وتجاوزت كل الخطوط: الحمراء والزرقاء والخضراء والبرتقالية ربما. "كُن صموتا أو مت بغيظك" كما قالها يوماً علامة العلويين. حتى الآه لا تنبس بها كي لا تهدد استقرارنا الوطني. وصلت بنا الحالة ظلما إلى درجة خنق الأنفاس خوفا من كل دساس جساس. ونسينا أم تناسينا أننا نعيش في بلد الحريات التي يتنفس هواها كل شركائنا في هذا الوطن الجميل إلا أنا هذا العلوي المسكين. كيف لو قرَّرتُ مثلاً أن أمارس حقي الديمقراطي كاملا بما يكفله لي الدستور، من احتجاجات واعتصامات مرخصة؟. كيف ستؤول الأمور معي عندها؟ هل سأزجُ في ظلماتِ السجن؟ أم سأعتبر مهدداً للأمن القومي؟ ألا يعتبر التظاهر من الوسائل الديموقراطية التي قد يلجأ إليها البعض للتعبير عن الرأي، وتسجيل اعتراض على أنظمة أو تصرفات أو سياسات أو قوانين معينة، من خلال حراك مدني سلمي، طبعاً ضمن الأطر القانونية التي ترعى التظاهر.
نحن قد نلجأ إلى هذا الشكل الحضاري من التعبير إذا وصلنا مع دولتنا الكريمة إلى حائط مسدود، طالبين دعم ومساندة إخوتنا كل إخوتنا في لبنان من باب الشراكة الوطنية، ولا أخفيكم سراً أنني كلما كتبت مقالاً عن حقوق العلويين الضائعة المستحقة، سادت اجوائي حالات قلق وخوف وترقب يشيعها كل من حولي من باب النصيحة المرعبة التي تقطع قلب سامعيها: الله يسترك من شي جهاز أمني، "انتبه ما يشحطوك"، "شو كان بدك بهالحكي مولانا".
نحن في لبنان
لبنان بالرغم من كل مساوئه يبقى بلا شك بلدا للحريات. فهل سيضنّ بها علي وأنا العاشق لترابه ولا أحمل إلا جنسيته هوية أبدية لي؟ وما دمت ملتزما حدودي القانونية التي حددها لي الدستوراللبناني، فممّا أخاف؟ جاء في الفصل الثاني من الدستور في اللبنانيين وحقوقهم وواجباتهم:
المادة 7، كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم.
المادة 8، الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفقاً لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون.
المشكلة عندنا والتي لا يفهمها البعض، هي عدم التمييز بين مصطلحي: الطائفية، التي تحمل نفساً عدائياً نتناً، وبين المطالبة بحق طائفة مظلومة، كالعلوية والتي لا تحمل سوى صرخة وجع حنونةٍ تخاطب بها الآخر بكل حب وسلامٍ.
وهذا الخلط هو الذي يربكني ويكبلني ويجعلني مترددا في المطالبة بالمواطنية الكاملة للعلويين... الذي أقرتُّهُ (المادة 12): لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون.
فمن هذه المادة سننطلق في تحصيل حقوقنا المسلوبة عبر عقودٍ من الزمنِ، وسنجعلها شعارنا ومظلتنا التي تحمينا من الإنزلاق إلى مزالقِ مخالفة القانون أو استعداء الآخرين لا سمح الله.
والجميع عليه أن يضع نفسه مكاننا، كيف سيتصرف لو قضى عمره في هذا البلد محاصراً محروماً؟ هل كان ليرض بهذه العيشة المقرفة؟ أم أنه سيناضل ويكافح للوصول إلى حقوقه المشروعة وفق الدستور اللبناني؟ نحن عاهدنا الله وشعبنا اللبناني العظيم أن نكون في خدمته، وأن نكون صوتَ حقٍّ ولسانِ صدقٍ ودعوة جامعة لكل الطيبين المخلصين لهذا البلد الجميل.
من هنا سنتابع النضال والحراك ورفع الصوت والإشارة إلى كل حقٍّ ضائع في كل الوزارات اللبنانية التي تخلو إلى حد كبيرٍ من مشاركةٍ طائفةٍ أمٍّ وجزء أساسي من النسيج الوطني.
وهذا شيءٌ يجب ألاَّ يُغْضِبَ أحدٌ ولا يستفزَّ جهة ما، بالعكس يجب أن يلقى كل تشجيع ودعمٍ ومساندةٍ للوصول إلى مجتمع لبناني راقٍ يشعر كل أبنائه أنهم شركاء حقيقيون في بناء الوطن والإنسان، وتنتفي قدر الإمكان كل مظاهر القهر والحرمان. فهذا الشيءُ الوحيد الذي يليق بهذا الوطن العزيز لبنان.
*المجلس الإسلامي العلوي